تعويم العملة النقدية بين تحديات النهوض بالإقتصاد الوطني أو إغراقه

في السابق، كانت العديد من الدول تتبع نظامًا ثابتًا لأسعار الصرف، حيث كانت تربط قيمة عملتها بعملة أجنبية معينة أو مجموعة من العملات الأجنبية.

و مع ذلك، أظهرت التجارب الإقتصادية و التحولات العالمية في تلك الفترة أن هذه النظم الثابتة كانت تواجه صعوبة في التكيف مع التقلبات الإقتصادية و المالية.

تعويم العملة النقدية بين تحديات النهوض بالإقتصاد الوطني أو إغراقه

بوادر ظهور فكرة تعويم العملة النقدية

بعد العقبات التي كانت تواجه الدول أثناء إتباعها لنظام ثابت لتحويل عملاتها ،بدأت تتحول تدريجيًا إلى نظام أسعار صرف مرن، حيث يتحدد سعر العملة بناءً على عوامل العرض والطلب في السوق النقدية العالمية. 

هذا يعني أن قيمة العملة قد تتغير بشكل مستمر وفقًا لتلك العوامل، و هو ما يعرف بتعويم العملة.

و التي شهدت تطورا ملحوظا في النصف الثاني من القرن العشرين، و تحديدًا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

منذ ذلك الحين، إعتمدت العديد من الدول سياسة تعويم العملة كجزء من إستراتيجياتها النقدية و الإقتصادية غير أن أساليب تطبيقها و توقيتها تختلف من دولة إلى أخرى، حسب الظروف الإقتصادية و المالية لكل دولة و أولوياتها الإقتصادية.

التسلسل الزمني لفكرة تعويم العملة النقدية

 فكرة تعويم العملة عبر التاريخ تتحدد وفق المراحل التالية:

  1. بريتون وودز ونظام صرف العملات الثابتة: في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تم إقرار نظام بريتون وودز في عام 1944،و الذي أنشأ نظامًا لصرف العملات الثابتة مقابل الدولار الأمريكي ،و كانت فكرة تعويم العملة غير موجودة في ذلك الوقت، حيث كانت العملات مرتبطة بالدولار الأمريكي و الذهب.

  1. نهاية نظام بريتون وودز وتحرير سعر صرف العملات: في عام 1971، ألغى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون تثبيت الدولار الأمريكي بالذهب، مما أدى إلى نهاية نظام بريتون وودز، و بدأت بعدها العديد من الدول بتحرير سعر صرف عملاتها و السماح لها بالتعويم و تسمح الآن القوى السوقية بتحديد قيمة العملات بناءً على العرض و الطلب.

  • بالإضافة إلى ذلك، يجب الإشارة إلى أن فكرة تعويم العملة ليست قاعدة ثابتة تنطبق على جميع الدول، البعض قد يختار تعويم العملة كا إستراتيجية  نقدية لتحقيق أهداف إقتصادية معينة، بينما البعض الآخر قد يفضل الإستمرار في تثبيت قيمة العملة أو اعتماد أنظمة صرف أخرى.

  • حيث  أن هناك دولاً لا تزال تتمسك بأنظمة صرف العملات  الثابتة و تعمل على الحفاظ على قيمة عملاتها مقابل سلة من العملات الأجنبية أو العملة الأجنبية و ذلك لأسباب إقتصادية و نقدية خاصة بها.

 بشكل عام، فإن تعويم العملة يمنح الدولة مرونة أكبر في  تحقيق التوازن الإقتصادي و التكيف مع التحولات العالمية، و لكنه قد يرتبط أيضًا ببعض التحديات و المخاطر التي يجب أن تتعامل معها الدولة بعناية للحفاظ على إستقرار الإقتصاد  و الظروف المعيشية.

تاريخ تعويم العملة

تعريف تعويم العملة النقدية

  • تعويم العملة :  هو سياسة نقدية تتمثل في تحديد قيمة العملة بناءً على قوى العرض و الطلب في السوق العالمية، دون أن يتدخل البنك المركزي أو السلطات المالية لتحديد سعر صرفها، بمعنى آخر، يتم ترك العملة تتحرك بحرية وفقًا للتعاملات التجارية ،الإستثمارية و العوامل الإقتصادية الأخرى.

  •  فتعويم العملة يتم بشكل رئيسي في الإقتصادات التي تمتلك سوق صرف عملات حرة، حيث يتم تحديد سعر الصرف بواسطة التعاملات بين المشاركين في السوق، تعتمد قيمة العملة في هذه الحالة على عوامل مثل العرض و الطلب على العملة، الفوائد الإقتصادية للبلد، العوامل السياسية، الإجتماعية و الإقتصادية الأخرى.

  • تعويم العملة: هو نظام يتم فيه تحديد سعر صرف العملة بشكل متغير وفقًا لقوى العرض و الطلب في السوق العالمية، بدلاً من تحديد قيمة العملة بشكل ثابت مقابل عملة أخرى، يترك السوق يتحكم في تحديد قيمتها النسبية.

  •  عندما تعوم العملة، يتم السماح لها  بالتحرك بحرية و تقلب قيمتها بناءً على القوى الإقتصادية المتغيرة حيث إذا زاد الطلب على العملة، قد يرتفع سعرها، و إذا زاد العرض أو إنخفض الطلب، فقد ينخفض سعرها.

  •  تعتبر قرارات تعويم العملة قرارات إقتصادية هامة يتم اتخاذها بناءً على تحليلات و تقديرات البنوك المركزية و السلطات المالية و الإقتصادية في البلد المعني.

آثار تعويم العملة النقدية على الإقتصاد 

تعويم العملة يمكن أن يكون له آثار عديدة على الإقتصاد، بما في ذلك:

* تأثيره على قدرة البلد على التجارة الخارجية و التنافسية و  أسعار السلع المستوردة و المصدرة.

 * قد يؤدي تعويم العملة أيضًا إلى تقلبات في سعر الصرف و تأثير ذلك على الإستثمارات الأجنبية و الديون الخارجية.

هدف التعويم هو تحقيق توازن في سوق الصرف و تعزيز التنافسية الإقتصادية و تحسين الإستقرار المالي.

و من المتوقع أن يؤدي التعويم إلى توجيه الموارد الإقتصادية بشكل أكثر كفاءة و تعزيز الصادرات و جذب الإستثمارات الأجنبية.

و مع ذلك، يجب الأخذ في الإعتبار أن التعويم يجعل قيمة العملة عرضة للتقلبات و التغيرات السريعة، مما يمكن أن يسبب تأثيرات إقتصادية و مالية متنوعة على البلد المعني.

لماذا تلجأ الدول لتعويم عملتها النقدية؟

تعويم العملة هو عملية تتمثل في السماح لقوى العرض و الطلب في السوق لتحديد قيمة العملة مقابل العملات الأجنبية بشكل حر.

عندما تقوم دولة بتعويم عملتها، فإنها تتخلى عن تحديد قيمة العملة بشكل ثابت مقابل عملة أجنبية و تتيح للسوق تحديد سعر الصرف.

تلجأ الدول إلى تعويم عملتها لعدة أسباب منها:

مرونة السياسة النقدية: تعويم العملة يتيح للبنك المركزي في الدولة مزيداً من المرونة في تنفيذ سياساته النقدية.

يمكنه زيادة أو تخفيض قيمة العملة وفقًا للإحتياجات الإقتصادية المحلية، مثل تحفيز الصادرات أو الحد من التضخم.

تعزيز التنافسية: في بعض الأحيان، يتجاوز قيمة العملة الثابتة القيمة الحقيقية للإقتصاد و قد تكون مبالغ فيها مما يعرض الصناعات المحلية لصعوبات تنافسية.

بتعويم العملة، يمكن للعملة أن تنخفض في القيمة و تجعل المنتجات المحلية أكثر تنافسية في الأسواق العالمية.

تصحيح التوازن التجاري: عندما يعاني البلد من عجز تجاري كبير، يمكن لتعويم العملة أن يساعد في تصحيح التوازن التجاري.

إذا إنخفضت قيمة العملة، فإن المنتجات المحلية ستكون أرخص في الأسواق الخارجية، مما يحفز الصادرات ويقلل الواردات، و بالتالي يقلل من العجز التجاري.

التخلص من الإحتياطي النقدي: في بعض الأحيان، تكون لدى الدول إحتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية، و تعويم العملة يمكن أن يساعد الدولة على التخلص من هذه الإحتياطات.

عندما تتخلص الدولة من جزء من إحتياطاتها النقدية، فيمكنها إستخدامها في تمويل المشروعات الإقتصادية الداخلية، مثل الإستثمار في البنية التحتية أو تحسين الخدمات العامة.

يجب الإشارة إلى أن تعويم العملة قد يكون له أيضًا بعض التحديات و المخاطر.

قد يؤدي تقلب قيمة العملة إلى عدم الإستقرار الإقتصادي و التضخم، و قد يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين و الشركات.

لذلك، يجب أن تتبنى الدول سياسات نقدية و إقتصادية سليمة و تقوم بمراقبة و متابعة سوق العملة بعناية للحد من التقلبات الكبيرة و تقليل المخاطر الإقتصادية المحتملة.

متى تستطيع الدولة عدم تعويم عملتها النقدية ؟

القرار بشأن إستغناء الدولة عن تعويم عملتها يعتمد على الظروف الإقتصادية الخاصة بكل دولة.

عمومًا، يمكن للدولة الإستغناء عن تعويم عملتها عندما تحقق بعض الشروط الأساسية التالية:

قوة الإقتصاد: عندما تكون الدولة لديها إقتصاد قوي و مستقر، و تتمتع بتوازن تجاري و مالي جيد، فإنها تستطيع أن تتحمل التقلبات في قيمة عملتها و الإستمرار في الحفاظ على نظام سعر صرف ثابت.

إستقرار السياسة الإقتصادية: يلعب إستقرار السياسة الإقتصادية دورًا هامًا في قدرة الدولة على عدم تعويم عملتها.

إذا كانت الدولة تتبع سياسات إقتصادية حكيمة و مناسبة و تتخذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الإستقرار الاقتصادي، فإنها قد تكون قادرة على الإستمرار في الحفاظ على نظام سعر صرف ثابت.

الإحتياطات النقدية: إذا كانت الدولة تمتلك إحتياطات نقدية كبيرة، فإنها تستطيع إستخدام هذه الإحتياطات لدعم عملتها و تقوية قدرتها على عدم تعويمها.

يمكن إستخدام الإحتياطات لتدخل في سوق الصرف لتثبيت قيمة العملة في حالة التقلبات الكبيرة.

الإستقرار السياسي و الإجتماعي: يلعب الإستقرار السياسي و الإجتماعي دورًا مهمًا في قدرة الدولة على عدم تعويم عملتها.

إذا كان هناك إضطرابات سياسية أو إجتماعية كبيرة في الدولة، فقد يكون من الصعب على الحكومة الحفاظ على إستقرار قيمة العملة.

يرجى ملاحظة أن هذه العوامل ليست قاعدة ثابتة، و قد يختلف التوجه و السياسات النقدية من دولة لأخرى.

يجب على الدولة أن تقيم الظروف الإقتصادية و المالية الداخلية و الخارجية بعناية قبل إتخاذ قرار بعدم تعويم عملتها.

قد تحتاج الدولة إلى تعاون دولي و دعم من المؤسسات المالية الدولية للحفاظ على إستقرار عملتها.

من الجدير بالذكر أنه في بعض الأحيان، تختار الدولة تثبيت سعر صرف عملتها بنطاق محدد و ليس تعويمًا كاملاً.

هذا يعني أن العملة لديها قدرة للتحرك ضمن نطاق ضيق محدد بواسطة سلطة نقدية مركزية، و هو ما يعرف بنظام الصرف المرن المستهدف.

هذا النظام يسمح ببعض التعديلات في قيمة العملة وفقًا للتغيرات الإقتصادية و النقدية، و لكنه يحافظ في الوقت ذاته على إستقرار نسبي.

آثار التعويم


  أولى الدول التي عومت عملتها

في النهاية، قرار عدم تعويم العملة يعتمد على تقييم شامل للظروف الإقتصادية، السياسية و النقدية للدولة، و يجب أن يتم إتخاذه بحذر وفقًا لمصلحة الإقتصاد الوطني و إستقرار العملة.

* إحدى أولى الدول التي إتخذت قرار تعويم عملتها هي المملكة المتحدة (بريطانيا) في عام 1971

في ذلك الوقت، واجهت بريطانيا صعوبات مالية و إقتصادية،  فقررت تحرير سعر صرف الجنيه الإسترليني و تركه يتحدد بواسطة العرض و الطلب في السوق العالمية.

* كانت أستراليا أيضًا من بين الدول الأولى التي عومت عملتها، حيث تحولت من نظام صرف ثابت إلى تعويم الدولار الأسترالي في عام 1983

قرار التعويم جاء بعد فترة من الإستقطاب السياسي و الإقتصادي و التضخم العالي.

* تعويم العملة الكندية (الدولار الكندي) في عام 1970 يُعد من أوائل القرارات في هذا الصدد.

كانت كندا تعتمد على نظام صرف العملة الثابت مع الدولار الأمريكي، و لكنها قررت الإنتقال إلى نظام صرف مرن لتعزيز المرونة و التكيفية في سوق العملات الأجنبية.

هذه الأمثلة توضح بداية تبني الدول لنظام تعويم العملة، و منذ ذلك الحين إنضمت العديد من الدول إلى هذا النظام أو إتخذت أنظمة صرف أكثر مرونة لتعزيز إستقلالية العملة و تكييفها مع التحولات الإقتصادية العالمية.

أكثر البلدان تعويما لعملتها النقدية

هناك العديد من البلدان التي تتبع سياسة تعويم العملة، إليك بعض الأمثلة على بعض البلدان التي تعوم عملاتها:

الولايات المتحدة: الدولار الأمريكي هو عملة تعوم و تتم تحديد قيمته بناءً على سوق العملات العالمية.

الإتحاد الأوروبي: يتم تعويم عملة اليورو التي تستخدمها العديد من البلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا و فرنسا و إسبانيا و غيرها.

المملكة المتحدة: الجنيه الإسترليني هو عملة تعوم و تستخدم في المملكة المتحدة.

كندا: الدولار الكندي هو عملة تعوم و تستخدم في كندا.

أستراليا: الدولار الأسترالي هو عملة تعوم و تستخدم في أستراليا.

اليابان: الين الياباني هو عملة تعوم و تستخدم في اليابان.

سويسرا: الفرنك السويسري هو عملة تعوم و تستخدم في سويسرا.

هذه مجرد بعض الأمثلة و هناك المزيد من البلدان التي تتبع سياسة تعويم العملة.

قرار تعويم العملة يعتمد على الإقتصاد و السياسة المالية للبلد المعني و قدرته على تحمل التقلبات في سعر الصرف.

 أكثر الدول العربية التي تعوم عملتها النقدية

عدد من الدول العربية إتخذت قرار تعويم عملتها في السنوات الأخيرة.

من بين الدول العربية التي تعوم عملتها أو إتخذت نظم صرف مرنة، يمكن ذكر الأمثلة التالية:

مصر: في نوفمبر 2016، قام البنك المركزي المصري بتعويم الجنيه المصري، و ذلك في إطار خطة للإصلاح الإقتصادي و زيادة تنافسية الإقتصاد المصري.

تونس: في مايو 2020، أقر البنك المركزي التونسي تعويم الدينار التونسي.

جاء ذلك في إطار مسعى لتحقيق الإستقرار الإقتصادي وزيادة تنافسية الإقتصاد التونسي.

السودان: في أكتوبر 2018، قام البنك المركزي السوداني بتعويم الجنيه السوداني بعد سنوات من تثبيت العملة. 

جاء ذلك في إطار إصلاحات  إقتصادية وتحقيق إستقرار السوق المالية.

هذه بعض الأمثلة على الدول العربية التي إتخذت قرار تعويم عملتها في السنوات الأخيرة. 

تهدف هذه الإجراءات إلى تحقيق إستقرار إقتصادي و تعزيز التنافسية في السوق العالمية، و لكن يجب مراعاة أن التأثيرات و النتائج قد تختلف بحسب الظروف و السياسات الإقتصادية الخاصة بكل دولة.

  إتخاذ قرار تعويم العملة النقدية

قرار تعويم العملة يتم إتخاذه عادةً بواسطة السلطات النقدية في البلد، و التي غالبًا ما تكون تتمثل في البنك المركزي أو الهيئة المسؤولة عن سياسة النقد و العملة في البلد.

في العديد من الدول، يكون البنك المركزي هو المسؤول عن إتخاذ قرارات صرف العملة و نظامها، بما في ذلك تعويمها.

يتم تقييم المزايا و العيوب و الآثار المحتملة لتعويم العملة، و يشارك في هذه العملية فرق إقتصادية و مالية متخصصة تقوم بتحليل الوضع الإقتصادي، و توقعات النمو و التضخم و التجارة الخارجية و اللإستدانة الخارجية و غيرها من العوامل المرتبطة.

قرار تعويم العملة قد يتطلب أيضًا توافق و دعم سياسي من قبل الحكومة، و المؤسسات الإقتصادية الرئيسية في البلد. 

يتم الإعتماد على التحليلات و الإستشارات المتعددة قبل إتخاذ قرار نهائي بشأن تعويم العملة.

يجب ملاحظة أنه في بعض الأحيان قد يكون هناك تأثير سياسي أو إقتصادي على قرار تعويم العملة، و قد يكون هناك توجهات مختلفة و آراء متباينة بين الخبراء و المسؤولين حول الأفضلية و التوقيت المناسب لتنفيذه.

أنواع تعويم العملة النقدية

تعويم العملة هو نظام يحدد قيمة العملة مقابل العملات الأخرى بناءً على العرض و الطلب في السوق المفتوحة، بدلاً من تثبيت قيمتها بواسطة السلطات المختصة. 

و هناك نوعان رئيسيان من تعويم العملة:

تعويم العملة المرن:

في هذا النظام، يتم تحديد سعر صرف العملة بشكل تلقائي بناءً على العرض و الطلب في السوق. 

يتمكن السوق من تحديد قيمة العملة بحرية، و يعتبر المصرف المركزي عادة مشرفًا على هذه العملية و يتدخل في السوق فقط للحفاظ على إستقرار الأسعار و تجنب التدهور المفاجئ في قيمة العملة.

تعويم العملة المشروط:

في هذا النظام، يسمح للعملة بالتعويم و لكن بقيود معينة.

يقوم المصرف المركزي بالتدخل في السوق للحفاظ على إستقرار العملة و تجنب التقلبات الكبيرة في سعر الصرف. 

يتم ضبط مجموعة من القيود و الآليات التي يتم من خلالها التحكم في قيمة العملة و منع التدهور السريع لها.

تختلف أنظمة تعويم العملة من بلد إلى آخر، و يمكن أن يتغير نظام تعويم العملة في بلد ما على مر الزمن وفقًا للتغيرات الإقتصادية و السياسية.

 أسباب تعويم العملة النقدية

تعويم العملة يمكن أن يكون له عدة أسباب و مبررات، و من بين الأسباب الشائعة لتعويم العملة يمكن ذكرها:

تحقيق المرونة الإقتصادية: يسمح تعويم العملة بضبط قيمتها بحرية وفقًا للعرض و الطلب في السوق.

و هذا يسمح للإقتصاد بالتكيف مع التغيرات الإقتصادية الداخلية و الخارجية بشكل أفضل، مما يمنح المرونة للتجارة الخارجية و الإستثمارات و تعزيز النمو الإقتصادي.

تحقيق التوازن التجاري: قد يتم تعويم العملة لتحقيق توازن التجارة الخارجية. 

عندما تكون قيمة العملة عالية جدًا، فإنها قد تجعل المنتجات المحلية أكثر تكلفة في السوق العالمية، مما يؤدي إلى زيادة الواردات وتراجع الصادرات.

تعويم العملة قد يساعد في تعديل قيمة العملة و تحسين توازن التجارة.

مكافحة التضخم: في بعض الحالات، يمكن إستخدام تعويم العملة للحد من التضخم. 

عندما يكون هناك إرتفاع في معدل التضخم، يمكن أن يتدخل المصرف المركزي و يتلاعب بقيمة العملة للحد من التضخم و إستعادة الإستقرار الإقتصادي.

تحسين توفر العملة الصعبة: قد يتم تعويم العملة لزيادة تدفقات العملة الصعبة إلى البلاد. 

عندما تكون قيمة العملة منخفضة، فإنها يمكن أن تجذب المزيد من الإستثمارات الأجنبية و السياحة، و تزيد من صادرات البلاد  و تحسن توازن المدفوعات.

التخلص من التحكم الحكومي: في بعض الأحيان، يتم تعويم العملة للتخلص من التدخل الحكومي الزائد في سوق العملة. 

يعتبر تعويم العملة خطوة نحو الإقتصاد الحر و تحقيق السوق الحرة، حيث يترك السوق يحدد قيمة العملة بناءً على العرض و الطلب.

ضغوط إقتصادية خارجية: في حالة وجود ضغوط إقتصادية خارجية، مثل تدهور الوضع الإقتصادي العام أو توقعات سلبية للعملة، قد يتم تعويم العملة كإجراء طارئ لتجنب أزمة أو تفادي تدهور أكبر في القيمة.

تحقيق الشفافية : تعويم العملة يمكن أن يزيد من الشفافية في عمليات تحديد الأسعار و صنع القرارات الإقتصادية. 

بدلاً من الإعتماد على تدخلات حكومية غير متوقعة، يكون هناك شفافية أكبر في تحديد سعر العملة، و تكون قرارات السوق واضحة و معروفة للجميع.

جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة: عندما يتم تعويم العملة، يمكن أن تكون هناك فرص إستثمارية أكبر للمستثمرين الأجانب. 

قيمة العملة المرنة يمكن أن تجذب المزيد من الإستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث يمكن للمستثمرين تقدير العوائد المحتملة بناءً على القيمة الفعلية للعملة و توقعات السوق.

يجب ملاحظة أن أسباب تعويم العملة قد تختلف من بلد لآخر و تعتمد على الظروف الإقتصادية و السياسية لكل بلد. 

و الأخذ بهذه الأسباب من شأنه أن يأثر  بالإيجاب على الإقتصاد الوطني ككل، و هذا راجع إلى أن تعويم العملة كان له آثار إيجابية.

يجب ملاحظة أن هذه الآثار ليست قاعدة ثابتة، بل يمكن أن تختلف من بلد إلى آخر و تتأثر بعوامل متعددة مثل هيكل الإقتصاد المحلي و الإعتماد على القطاعات الإقتصادية المختلفة و سياسات الحكومة و التطورات العالمية. 

من المهم أن تتم دراسة و تقييم تأثيرات التعويم بشكل دقيق و شامل قبل إتخاذ القرار بتنفيذه.

الآثار السلبية لتعويم العملة النقدية

هناك عدة آثار سلبية  تنجم عن تعويم العملة النقدية لدولة ما و يمكن إبرازها فيما يلي :

تقلبات قيمة العملة: قد يتسبب تعويم العملة في تقلبات حادة في قيمة العملة. 

قد يؤدي ذلك إلى عدم الإستقرار الإقتصادي و المالي، و تأثير سلبي على الأعمال التجارية و الإستثمارات.

يصعب على الشركات التخطيط للمستقبل و إتخاذ القرارات الإستثمارية عندما تكون هناك تقلبات كبيرة في قيمة العملة.

تضخم الأسعار: قد يؤدي تعويم العملة إلى زيادة في التضخم، حيث يصبح من الأسهل إستيراد السلع و الخدمات التي تعتمد على العملة الأجنبية.

عندما تفقد العملة قيمتها بشكل سريع، يمكن أن يزيد ذلك من تكاليف الإستيراد و الأسعار المحلية للسلع.

زيادة الديون الخارجية: إذا إنخفضت قيمة العملة المحلية جنبًا إلى جنب مع تعويمها، فإن الديون التي تمت في عملة أجنبية ستصبح أكثر صعوبة في تسديدها.

ستزيد تكاليف الديون الخارجية و قد تزيد عبئ الدين على البلد.

إرتفاع تكاليف الإستدانة: قد يزيد تعويم العملة من تكاليف الإستدانة الخارجية. 

إذا كانت العملة المحلية تفقد قيمتها، فإن الدائنين الأجانب سيطلبون معدلات فائدة أعلى لتعويض الخطر المحتمل ذلك سيؤدي إلى زيادة تكاليف الإقتراض للحكومة و الشركات المحلية، و بالتالي يمكن أن يعرضهم للمزيد من الضغوط المالية و الإقتصادية.

التأثير على القطاعات التصنيعية: قد يتأثر قطاع التصنيع المحلي بشكل سلبي نتيجة تعويم العملة. 

قد يزيد إرتفاع تكاليف الإستيراد و المواد الخام المستوردة من تكلفة الإنتاج المحلية، مما يجعل المنتجات المحلية أقل تنافسية على الصعيد الدولي، و بالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى تراجع في الصادرات و إرتفاع في واردات السلع المصنعة.

التأثير على المواطنين: قد يشعر المواطنون بالآثار السلبية لتعويم العملة على مستوى حياتهم اليومية.

يمكن أن يؤدي إرتفاع التضخم و تدهور العملة إلى زيادة في تكاليف المعيشة و تقليل القدرة الشرائية للمواطنين. 

قد يواجهون صعوبة في تلبية إحتياجاتهم الأساسية و تحقيق التقدم الإقتصادي.

و من الجدير بالذكر أنه على الرغم من الآثار السلبية المحتملة لتعويم العملة، فإن هذا الإجراء قد يكون ضروريًا في بعض الحالات لتحقيق التوازن في الإقتصاد، و تعزيز التنافسية و تعزيز الصادرات.

يجب أن تتم دراسة و تقييم الآثار المحتملة بعناية و ٱتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من التأثيرات السلبية، و تعزيز الجوانب الإيجابية المحتملة لهذا القرار.

التأثير السلبي للتعويم

نوع الإقتصاد الذي تعوم فيه العملة النقدية

نظام تعويم العملة يمكن أن يتم تطبيقه في كلا النظامين الإقتصاديين : الإقتصاد المغلق و الإقتصاد المفتوح.

  1. في الإقتصاد المغلق: يعني تعويم العملة أن قيمتها تحدد بواسطة العرض و الطلب الداخلي في السوق المحلية فقط، ولا تتأثر بالتعاملات الدولية و الأسواق الخارجية بشكل كبير، هذا يعني أن سياسة صرف العملة لا تهدف بشكل رئيسي لتحقيق التوازن في الميزان التجاري أو تحسين التنافسية الخارجية للبلد.

  1. في الإقتصاد المفتوح: تعويم العملة يعني أن قيمتها تحدد بواسطة العرض و الطلب في السوق المحلية و العوامل الخارجية، بما في ذلك التجارة الدولية و حركة رؤوس الأموال، هنا  تتأثر قيمة العملة بتدفقات العملات الأجنبية و  تحركات الأسواق العالمية، و تستخدم سياسة صرف العملة لتحقيق التوازن في المعاملات الجارية و تعزيز التنافسية الخارجية.

يجب أن يتم إختيار النظام النقدي و الإقتصادي الأنسب وفقًا لظروف و أهداف كل بلد.

تعتمد قرارات الدولة بشأن تعويم العملة على عدة عوامل، مثل حجم الإقتصاد و تبادلاته التجارية و مستوى الإنفتاح الإقتصادي و قوة السوق المالية و الإعتماد على العوامل الخارجية.

مدى تأثير تعويم العملة النقدية على الظروف المعيشية للمواطن

تعويم العملة قد يؤثر على الظروف المعيشية للمواطنين بشكل مباشر و غير مباشر، هنا بعض التأثيرات المحتملة:

تضخم الأسعار: إذا كان هناك إنخفاض في قيمة العملة بسبب تعويمها، فقد يحدث تضخم في الأسعار.

يصبح الإستيراد أكثر تكلفة، مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع و المنتجات المستوردة. 

هذا يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، و يزيد من تكاليف المعيشة.

إرتفاع تكلفة الديون: إذا كانت الدولة مدينة بالعملة الأجنبية، فتراجع قيمة العملة المحلية قد يؤدي إلى إرتفاع تكلفة سداد الديون. 

هذا يمكن أن يؤثر على قدرة الحكومة على تقديم الخدمات العامة و الإستثمار في المشاريع الضرورية.

التأثير على الرواتب و الدخل: قد يؤدي تعويم العملة إلى تقلبات في قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، مما يؤثر على الرواتب و الدخل.

إذا كانت قيمة العملة تتراجع بشكل حاد، فإن الرواتب قد لا تتواكب مع إرتفاع تكاليف المعيشة و التضخم، مما يؤدي إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين.

التأثير على القطاعات الإقتصادية المحلية: قد يكون لتعويم العملة تأثير على القطاعات الإقتصادية المحلية. 

إذا كانت العملة تنخفض في القيمة، فقد يزيد ذلك من تنافسية المنتجات المحلية في الأسواق الخارجية، مما يعزز الصادرات و يعزز النمو الإقتصادي و يخلق فرص عمل

 تعويم العملة النقدية في مصر(الجنيه)

فيما يتعلق بمصر، تعتمد السياسة النقدية على نظام تعويم جزئي للعملة المصرية (الجنيه المصري).

في عام 2016، قام البنك المركزي المصري بتعويم العملة بشكل كامل في إطار إصلاح اقتصادي، و هذا يعني أن قيمة الجنيه المصري تحدد بناءً على قوى العرض و الطلب في السوق العالمية.

قبل التعويم، كان هناك نظام سعر صرف ثابت للجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، و لكن التعويم أدى إلى تحرر سعر الصرف و تقلباته بناءً على عوامل السوق.

الهدف الرئيسي لتعويم الجنيه المصري هو تعزيز التنافسية الإقتصادية و تعزيز الصادرات، إلى جانب جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة و زيادة تدفقات العملة الصعبة إلى مصر.

تأثيرات تعويم العملة في مصر شملت زيادة في تكلفة السلع المستوردة، مما أدى إلى إرتفاع أسعار السلع و الخدمات المحلية. 

و مع ذلك، تم تحقيق بعض الإستقرار في الأوقات الأخيرة بفضل إجراءات التحفيز الإقتصادي و تحسن تدفقات العملة الصعبة إلى مصر.

خسائر التعويم في مصر

  • التعويم الأول.. نوفمبر 2016 انخفض الجنيه من مستويات 8.88 جنيه دولار إلى مستويات 15.77 جنيه للدولار بتراجع 78 بالمئة.

  •  التعويم الثاني.. مارس 2022 انخفض الجنيه من مستويات 15.77 جنيه للدولار إلى مستويات 19.7 جنيه للدولار بتراجع 25 بالمئة.

  •  التعويم الثالث.. أكتوبر 2022 انخفض الجنيه من مستويات 19.7 جنيه للدولار إلى مستويات 24.7 جنيه للدولار بتراجع 25.4 بالمئة.

  • التعويم الرابع.. يناير 2023 انخفض الجنيه من مستويات 24.7 جنيه للدولار إلى مستويات 32 جنيها للدولار بتراجع 30 بالمئة.

يجب الإشارة إلى أن التعويم لا يعد العامل الوحيد الذي يؤثر في قيمة العملة، فقد تتأثر أيضًا بعوامل أخرى مثل العرض و الطلب على العملة، و التوترات السياسية و الإقتصادية الداخلية و الخارجية.

تعويم  العملة النقدية في  الجزائر(الدينار)

فيما يتعلق بالجزائر ، فإن البلاد تتبع نظام سعر صرف ثابت لعملتها (الدينار الجزائري) مقابل العملات الأخرى.

 يتم تحديد سعر صرف الدينار الجزائري بواسطة البنك المركزي الجزائري.

و منذ عام 1994، تم تطبيق نظام سعر صرف ثابت للدينار الجزائري تحت رقابة البنك المركزي الجزائري، و ذلك بهدف الحفاظ على إستقرار العملة و تحقيق الإستقرار المالي في البلاد.

تعتبر سياسة السعر الثابت للعملة من العوامل التي تساهم في تقليل التقلبات السعرية و التضخم في الإقتصاد الجزائري.

و من أهم الأهداف التي يسعى البنك المركزي الجزائري إلى تحقيقها من خلال تثبيت سعر الصرف هو الحفاظ على قوة الشراء للدينار الجزائري و تحقيق الإستقرار المالي و الإقتصادي في البلاد.

إرسال تعليق

للمزيد من المعلومات حول المُدوَّنة أو المواضيع المنشورة، أو أي إستفسار يرجى الإتصال بنا على مواقع التواصل الإجتماعي، أو عن طريق البريد الإلكتروني على العنوان التالي :

[email protected]

أحدث أقدم

متابعينا على بلوجر

تابعنا على بلوجر ليصلك جديدنا

 

نموذج الاتصال