هل بُنِي برج إيفل من حديدٍ جزائري؟ الحقيقة المدهشة وراء الأسطورة المنتشرة

منذ عقود، تتردّد بين الناس رواية تقول إن حديد برج إيفل — الرمز الفرنسي الأشهر — جُلب من الجزائر خلال فترة الإستعمار. القصة مثيرة، مشحونة بالرمزية، و تعكس صراعًا تاريخيًا بين الهيمنة و الإستغلال... لكن، هل هناك دليل فعلي على ذلك؟
الإجابة المختصرة: لا. لم يُجلب حديد برج إيفل من الجزائر، بل من منطقة لورين الفرنسية شمال شرق فرنسا. و مع ذلك، فالقصة ليست خرافة بالكامل — بل هي صدى حقيقي لماضٍ ٱستعماري معقد.
🔹 المصدر الحقيقي للحديد
تُظهر الوثائق الأصلية لمهندس البرج غوستاف إيفل أن خام الحديد المستخدم في البناء ٱستُخرج من مناجم لورين (Lorraine) الغنية بالحديد عالي الجودة، و المعروف بإسم الحديد اللّوريني. بعد ٱستخراجه، نُقل الخام إلى مصانع بومار دي لا تريل الفرنسية لصهره و تشكيله، ثم إلى ورشات إيفل في ليفالوا-بيري لتقطيعه و تجميع أجزائه بدقة مذهلة.
🔸 من أين جاءت فكرة «الحديد الجزائري»؟
تعود جذور الإشاعة إلى الذاكرة الإستعمارية الطويلة التي عاشها الجزائريون. فقد كانت فرنسا في القرن التاسع عشر تنهب ثروات الجزائر الطبيعية من معادن و محاصيل، و تنقلها إلى أوروبا لبناء قوتها الصناعية. لهذا، بدت فكرة أن برج إيفل صُنع من «حديد منهوب» واقعية تمامًا في نظر العامة.
و مع مرور الوقت، أصبحت القصة رمزًا ثقافيًا يعبر عن فكرة «النهضة الفرنسية على حساب المستعمرات» أكثر من كونها حقيقة تاريخية دقيقة.
⚙️ الجزائر و دورها غير المباشر
صحيح أن الحديد لم يأتِ مباشرة من الجزائر، لكن لا يمكن تجاهل أن ثروات المستعمرات — و منها الجزائر — كانت ركيزة إقتصادية أساسية للإمبراطورية الفرنسية. الضرائب، و الفوسفات، و القمح، و حتى اليد العاملة، ساهمت جميعها بشكل غير مباشر في تمويل النهضة الصناعية التي أنتجت مشاريع ضخمة مثل برج إيفل.
🏗️ بين الأسطورة و الحقيقة
القول إن البرج مصنوع من الحديد الجزائري خاطئ تاريخيًا، لكنه صحيح رمزيًا بمعنى أعمّ: إذ يمثل ذلك البرج مجد فرنسا الصناعي المبني على موارد شعوبٍ أخرى كانت تحت الإحتلال. إنها أسطورة تذكّرنا بأن التاريخ لا يُقرأ فقط من خلال الوثائق، بل أيضًا من خلال الذّاكرة الجمعية.
📜 الخلاصة
برج إيفل صُنع من الحديد الفرنسي، لا الجزائري. و مع ذلك، تظلّ الرّواية الشعبية صدىً صادقًا لماضٍ مؤلم يعكس ٱستغلال فرنسا لمستعمراتها. و بين الأسطورة و الواقع، تبقى القصّة دعوة للتأمّل في العلاقة بين العِمارة و التّاريخ و السّيطرة.
أحيانًا، لا تكون الأسطورة خطأً... بل طريقةً أخرى لقول الحقيقة.